ـ حاول..ثمّ حاول..ثمّ حاول..جميع الأطفال يجيدون تزرير ملابسهم..أنت وحدك الأخرق..إلى متى تظلّ هكذا؟
تخالفت أصابعي..كنت أرتجف..أحاول إدخال الزرّ في مكانه الصحيح..لا زالت تصرخ بهستيريا فوق رأسي..لا..لا..لا أستطيع..بكيت..أبعدت يداي عن ملابسي..
سحبتني بغضب..
ـ شقيقك الأصغر يجيد تزريرها..ابن عمّك..ابنة خالك..كلّهم يفعلون ذلك.. لكن.. أنت..أنت .. أففففففف منك...
إجتاحتني نوبة الغضب..خلعت قميصي وألقيت به أمامها ثمّ إستلقيت جواره أبكي..
ـ أنا لا أستطيع..لا أستطيع..لا أستطيع..
تركتني أبكي لدقائق..رفعتني وهي لا تزال غاضبة وألبستني القميص ثم زرّرته..أخذت نفسا وهدأ كتفاها..
ستعرف لاحقا كيف تزرّره..فقط تحتاج إلى أن تحاول..ثمّ تحاول..ثمّ تحاول..
عدت للبكاء:
ـ لن أعرف..لن أعرف..لن أعرف..
صرخت من جديد:
ـ ابتعد عن وجهي..لقد مللت من يأسك أيّها الفاشل..
بعيدا عن الأعين..حيث لا يوجد أحد يراني إلا الله..
إختفيت خلف خزانة ملابسي..تأمّلتها..إنّها لا تتحدّث..لن تخبر أحدا بما سأفعله، ولن تصرخ في وجهي..ولن تفتح بابها لتلقي بي بعيدا عندما أفشل..
= = = = =
حاولت خلع بدلتي...يوووه..أوووه..ها..جيّد..أخرجت رأسي..يد واحدة..وبقيت يد!!
سحبت القميص..حاولت..حاولت..ثم بكيت..
جاءت مسرعة لتقصّي سبب البكاء..كنت أرتجف..ستصرخ لا محالة..
ضحكت عندما رأتني..ضحكت كثيرا..توقّفت عن البكاء..رنّت على شفتيّ شبه إبتسامة.. إزدادت في الإتساع..اقتربت منّي:
ـ رائع..بقي عليك يد واحدة..سأخرجها أنا..
= = = = =
البارحة..خلعت قميصي وحاولت إرتداءه مرّة أخرى ولكنّني فشلت..ولذلك مشيت في المنزل عاري الصدر..لا أرتدي إلا البنطال..
إعتدل أبي في جلسته..ظلّ يرمق حركاتي لثوان..
ـ أين القميص يا ولد؟
ركضت هاربا..وهو يؤنّب والدتي..
ـ يبدو أنّ هذا الولد قليل أدب..
ثم انكفأت تحت بطانيّتي أبكي بحرارة..ما عساني أفعل..
= = = = =
محاولات فاشلة..كلّها فاشلة..لن أتمكّن من تعلّم هذا الأمر الصعب..ولكنّها وقفت لي بالمرصاد..
ـ زرّر ملابسك..
ـ لا أستطيع..
ـ أقول..زرّرها..
ـ لاااا..أستطيع..
ـ ولد..
ـ آآآآآآآ....
لم تتزحزح..لم تسمح لي بالهروب..ولم ترحمني..
ـ أرجوك..أنا صغير..
ـ بل صرت كبيرا بما فيه الكفاية لتزرّر ملابسك..
تمكّنت من تزرير زرّين وسط دموعي..وركضت إلى السيّارة..
= = = = =
موعد الذهاب إلى المدرسة..كم أكرهه..ليس بسبب حرماني من النوم..ولا بسبب برودة الجوّ..ولكن..من أجل أزرار الثياب..
مواجهة ضارية بيني وبين أمي..أمسكت شعرها..
ـ أكاد أجنّ..هل تعاني من مشكلة؟ إضغط يدي..لأرى..
ضغطت على يدها بخفّة..خشيت أن أضغط عليها بقوّة فتصفعني..صرخت:
ـ أهذا أقصى ما لديك؟ أضغط بقوّة وإلا صفعتك..
لا مفرّ..الصفعة قادمة لا محالة!!وضغطت على يدها وصررت على أسناني بقوّة..ثم تركتها وإبتعدت خوفا من العقاب..
ـ همممممممم
ابتسمت!!
ـ أنت قويّ..تستطيع إنجاز هذه المهمّة..هيّا يا صغيري..كبقيّة الأطفال..
تمرّدت عليها هذه المرّة..فقد عرفت الحقيقة..
ـ أمّي..لقد سألت ابن عمي..وأخبرني البارحة بأنّه لا يعرف كيف يزرّر ملابسه..وابنة خالتي كانت ترفع عنقها في المرّة الماضية لكي تغلق لها خالتي ياقتها..
وشقيقي الأصغر..راقبته الأسبوع الماضي بأكمله..
أنت من كان يبدّل ملابسه..ويزرّر أزراره..وتفعلين ذلك كلّه وأنت راضية مسرورة..
سكتت أمّي..كان ذلك مزعجا..توقّعت صفعة على وجهي..
ـ إسمع..أريدك أن تكون الأفضل..أريدك أن تعتمد على نفسك..أن تكون رجلا مثل والدك..أفهمت؟
هززت رأسي..ياااااه..لكي أكون رجلا..علي أن أزرّر ملابسي!!
= = = = =
إمّا أن أكون أو لا أكون!! انزويت خلف باب الدولاب مرّة أخرى..
إحمرّت أصابعي..
تصبّب العرق من رأسي..
شعرت بالدوار..
وأخيرا..زرّرت ملابسي..
خرجت فرحا أصرخ من غرفتي:
ـ أمّي..أمّي..لقد أصبحت رجلا...
زرّرت ملابسي وحدي..أصبحت رجلا..
هتفت من مطبخها:
ـ مرحى..مرحى أيّها البطل..بارك الله فيك..والآن..سننتقل إلى المرحلة التالية.
فغرت فمي مرعوبا:
ـ أيّ مرحلة؟ أهناك شكل جديد من الأزرة سأتدرّب عليه..لم أعد أريد ملابس جديدة..
ـ لا..الأمر مختلف..عندما تستيقظ من نومك يا عزيزي..فأمّك لن تأتي لتطوي فراشك وترتّبه..أنت من سيفعل ذلك..لقد أصبحت رجلا..
ـ ولكنّني لا أستطيع..
ـ بل تستطيع..
ـ لا..لا أستطيع..
ـ بل تستطيع.. تستطيع..تستطيع!!!
الكاتب: هناء الحمراني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.
